دموعُ في ليلــــة العيد "مسرحية"

دموعُ في ليلــــة العيد "مسرحية"

الشخصيات :
أحمد : عائل الأسرة
فاطمة : الزوجة
الطفلان : صالح وعليّ

*~~**~~**~~**~~**~~**~~**~~**~~*

..: المشهد الأول :..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يكشف الستار عن أحمد وفاطمة التي كانت تقول له بألم : أبناؤك جوعى يا أحمد , ألا تأتي لهم بطعام يسد رمقهم ؟!! وإن كان كسرة من الخبز الجاف !! ( نظرة رجاء في عينيها )

أحمد يخفض عينيه بمرارة ويقول : ومن أين لي بذلك يا فاطمة ؟ وهل كان معي يوما وقصرت عليكم ؟ والله لو كنت موسرا لكفيتكم ولأتيتكم بأفضل الطعام ولما بخلت عليكم لحظة .. إنني أتألم يا فاطمة وأنا أرى أبنائي يتضورون جوعا وأنا ساكن لا أستطيع فعل شيء وما بيدي حيلة .. أرجو من الله أن يفك كربنا عاجلا .

فاطمة " تطرق قليلا ثم ترفع رأسها وفي عينيها نظرة أمل وتقول : "
ربما هناك أمل يا أحمد !

أحمد بلهفة : ماذا تقصدين ؟

فاطمة " بابتسامة أمل " : زكاة الفطر ستوزع خلال اليومين القادمين أليس كذلك ؟ ربما وصلنا من خير الله شيء نستغني به عن السؤال ويسد رمقنا لعدة أيام ..

أحمد " بخيبة أمل " : ليت ما تقولينه يتحقق يا فاطمة , هل نسيتِ أن هذه أمانينا في كل عام ؟؟! وللأسف لا يصلنا شيء وإن كان فهو قليل رديء تأنف منه البهائم " يطلق زفرة حارّة ويخفض رأسه " آه يا فاطمة !! لو أغناني الله لبدلت بؤسكم سعادة , وأحللت مكان شقائكم فرحة.

فاطمة "ترقرق الدموع في عينيها لمرأى زوجها المتألم فتقترب منه وتربت على كتفه قائلة : "
كفاك همّــا يا أحمد , إن الله تعالى تكفل برزقنا وهو أرحم بنا من هؤلاء البشر الذين نستجدي منهم عطفا ومعونة , لا تقتل نفسك بهذا الحزن الذي أراه جاثما على قلبك في عينيك ساكنا لهما لا يبرحهما أبدا , ارسم ابتسامة على شفتيك وتوكل على الله فإنه من توكل عليه كفاه.

أحمد : ونعم بالله " يصمت قليلا ثم يقول بأسى : " ليتني أستطيع أن أبتسم يا فاطمة !! أتعلمين أن الابتسامة ثقيلة جدا على شفتيّ .. حتى أنني حين أحاول أشعر بأنني أرتكب جرما خطيرا أو إثما عظيما , لأنني أتذكر بؤسي وفقري , وأولادي الضعفاء , وزوجتي البائسة وقد تركتهم خلفي يتضاغون جوعا , أتذكر بطالتي وعجزي , وأنني أدور باحثا عن عمل فلا أجد من يقبل بي , ولا أجد مالا أنفق به على عيالي
خبريني بربك كيف بي بعد هذا البؤس والشقاء أن أسمح للبسمة أن تشق طريقها إلى شفتيّ ؟! وكيف للفرح أن يعرف سبيله إلى تلك النفس التي تضطرب بين جنبيّ ؟!!

فاطمة " تمسك بكفه مواسية " وارحمتاه لك يا أحمد , هون عليك , أتوسل إليك لا تقتل نفسك كمدا ولا تحمل همّ رزق أبدا , ألا تذكر قول الله عز وجل : ( وَفِي السَّمَــآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ )
ألا تكفيك هذه البشارة ؟

أحمد : لقد تعبت يا فاطمة , تعبت كثيرا , فدعيني الساعة أرتح قليلا وصلي لله من أجل أن يفك ما بنا ويكشف عنا ويرزقنا من حيث لا نحتسب ..

فاطمة : كما تريد يا عزيزي.

ســــــــــــــــــــتــار

*~~**~~**~~**~~**~~**~~**~~**~~*

..: المشهد الثاني :..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يدخل عليّ وصالح على والديهما ويقول صالح : أبي .. أبي .. أنا جائع جدا أكاد أموت جوعا .

علي : وأنا أيضا يا أبي " يمسك بطنه " آه أشعر وكأن جلد بطني وقد التصق بعظام ظهري , أدركيني بطعام يا أمي فقد أوشكت على الهلاك !!

يتبادل أحمد وفاطمة نظرات الأسى وفي عيني كل منهما دمعة توشك ان تنقض على وجنتاهم فارّة من حبسها
أحمد : لا عليكما يا صغيريّ .. يأتيكما أبوكما بأحسن الطعام إن شاء الله .

" يسمع طرق على الباب فينهض أحمد ويفتح الباب ليجد أمامه رجلا يحمل عدة أكياس , ثم قال لما رآه : "
هل أنت احمد ؟

أحمد : بلى .

الرجل : إنني قد جئتك بزكاة الفطر , ولا تسألني كيف عرفتك فلا يخفى على أحد فقرك المدقع ..
( يتجهم ) ماذا تنتظر ؟!! احمل عنّـي هذه الأكياس فقد أثقلني حملها !!

أحمد " يصفر لونه وترتجف شفتاه ويقول : " إنني شاكر لك حسن صنيعك يا سيدي " ثم يمد يديه بتخاذل ليحمل الأكياس عن الرجل "

الرجل : ويــــلاه !! يبدو لي أنك لن تسعد بالعيد هذا العام .

أحمد " بدهشة : " ولِـــمَ ؟

الرجل " ينظر إلى أبنائه الذين وقفوا من حوله بملابسهم الرثّـــة يقلبون في محتويات الأكياس التي يحملها والدهم ويصيحون : طعــــــــــام !! وأخيرا سوف نأكل يا أمي . فيرمقهم الرجل بازدراء ويقول : " منذ متى لم تطعم أطفالك أيها الرّجــل ؟

أحمد " بأسى وانكسار : " منذ زمن بعيد يا سيدي .

الرجل " يقول موليا : " وقانــا الله شر الفقر وحفظنــا من جرائم الفقـــراء !!!

أحمد " يدخل إلى بيته بأقدام مرتجفة وركبتين تصطكان ببعضهما كآبة وغمّــا ثم تهاوى على الأرض بذهول ممتقع اللون , كسير النفس ويحدّث نفسه قائلا : " ما كان له أن يعيّرنـي بفقري , وما كـان له أن يمنّ عليّ بزكاة أوجبها الله عليه , لم أطلب منه شيئا ولم أمدّ يدي لأحد أبدا , فلماذا يهينني ويزدري فرحة أطفالي ؟!!
لا بارك الله فيه ..

فاطمة " تقترب منه وتمسح جبينه بحنان : " لا عليك يا عزيزي , تكفيك فرحة أطفالك , لا تكدّر على نفسك , وليس ما أخرج تفضلا منه , وكلٌّ يجازى على قدر إخلاصه في عمله , إنه وإن كان قد أعطاك فبنفس خبيثة , وحسبك ما يلاقيه جزاء طعنه لمشاعرك , وكسره لنفسك , وعــدم إخـلاصه .

أحمد : يحزنني يا فاطمة أن أمثال هؤلاء لا يخرجون ما يُخرجون تكرما منهم , بل واجبا وحقّــا فرضه الله عليهم ومع ذلك يؤذون ولا يخلصون , فوا أسفاه علينا معاشر الفقــراء .
ســــــــــــــــــــتــار

*~~**~~**~~**~~**~~**~~**~~**~~*

يقول تعالى : *( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَــآءَ النَّــاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثِِلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدَاً لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )*

ويقول :

*( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيــدٌ )*


الجوهرة السوداء