أسد و أرنوب ... قصة قصيرة

(1) مشهد




مشهد يتكرر بروتينية مملة كل يوم في الغابة
حتى لم يعد يشهق له نفس المتفرج من غرابة الدهشة
بل ترى الناظر إليه يتثاءب بملل
هو مشهد الأرنب
يجري بكل ما أوتي من قوة
و قلبه الصغير ينتفض , يكاد يخرج من قفصه الصدري هلعا
لكن مما يفر هذا المسكين؟
أكيد من شيئ رهيب , يشيب له شعر الولدان , و ليكن هذا الشئ المرعب ذئب , نمر ... لا بل أسوأ
فليكن أسد
و للأسد في اللغة العربية أسماء لا تكاد تعد
فمن تلك الأسماء ما نعهدها مثل : الأسد , الغضنفر , الليث , سبع
و منها ما نعلمه و لكن ربما لم نعلم أنه من أسماء الأسد : درغام و حمزة
و منها أسماء لم تعهدها منا طبول الآذان : أدلم , أشدح , أغثر , أهرت و حباس

على كل حال ... فأيا كان أشدح أم أغثر لايهم
المهم أنه يكاد ينقض الآن بل ما أوتي من قوة على فريسته الضعيفة
و هنا
في تلك اللحظة بالذات
فكر الأرنب ...
هل سأظل أهرب هكذا طيلة حياتي ؟
إلى متى سأمتنع عن مواجهة مخاوفي ؟
إلى متى سأسمح للآخرين بإستغلالي ؟
إلى متى سأظل الفريسة ؟
إلى متى سألعب دور الضحية .؟
آن أوان المواجهة .... فالحياة أقصر من أن أقضيها في الهرب و الخوف و الإختباء

و ... كنتيجة حتمية لتلك الهواجس الدائرة في عقل الأرنب الصغير
دار الأرنب دورة كاملة ... بخفة و سرعة ماهرة
ووقف مزهوا بشجاعة
واقفا على قائمتيه
و أذناه مرفوعتان في الهواء بأقصى ما يكون
فطال حجمه أضعاف أضعافه و هو منكمش
و بدت له هيبة لم تكن من قبل
ثم أخذ يردد قول عنترة و قد تخيل نفسه فارس زمانه :


إِذَا كَشَـفَ الـزَّمَـانُ لَكَ القِنَـاعَا
وَمَدَّ إِلَيْـكَ صَـرْفُ الدَّهْـرِ بَـاعَا
فَـلاَ تَـخْشَـى المَنِيَّــةَ وَالتَقِيْـهَا
وَدَافِـعْ مَا اسْتَطَـعْتَ لَهَـا دِفَـاعَا

بعدها إنتقل شجاعنا إلى فصاحة المتنبي متخيلا سيف الدوله الحمداني :

وَلَـوْ أَنَّ الحَيَـاةَ تَبْقَـى لِحَـيٍّ
لَعَـدَدْنَـا أَضَلَّنَـا الشُّجْعَـانَـا
وإِذَا لَمْ يَكُـنْ مِنَ المَـوْتِ بُـدٌّ
فَمِنَ العَـارِ أَنْ تَمُـوتَ جَبَانَـا

ثم لا يعلم لماذا ... أخذ يردد قول شوقي بقلب تخلى فيه عن كل شوق

و ما نيل المطالب بالتمني ... و لكن تؤخذ الدنيا غلابا





ترى ماذا سيحدث ... تابعونا

في الانتظار بفارغ الصبر